تسنمتْ المرأة على مختلف العصور مكانة مرموقة ومتميزة ووضعيات متقدمة كثيراً قياسا إلى وضعيتها في الأمم الغابرة والحضارات المختلفة السابقة عليها وفي ذلك نرى قد برزت في السياسة قديما وحديثا فكان منهن الملكات اللاتي مارسن الحكم مثل نفرتيتي وشجرة الدُر وبلقيس. فكان المجتمع العربي والإسلامي وما يزال يتيح الفرص المتعددة للواتي يرغبن في القيادة والسياسة والدراسة والتحصيل العلمي منهن، فكن في السنين الماضية يتلقين العلوم الدينية فحسب في سن مبكرة كالذكور من الأطفال، ويسمح لمن يرغبنَّ في التحصيل العلمي بإكمال دراستهن، والنبوغ في علوم أخر. فكان أبرزها الطب والأدب والتاريخ. فحفظ لنا التاريخ العربي الإسلامي أسماء لامعة من تلك المجاميع النسوية العالمات اللاتي برعن في حقول معرفية عدة، فمن خلال ما تحمله كتب التراجم والسير من أخبار منثورة وترجمات عدة سيجد الباحث بلا شك أسماء وأعلام عديدة للنساء البارعات في مجالات مختلفة، من هنا سلط الباحث على واحدة منهن والتعريف بها وبإعمالها بحدود الاستطاعة، فكانت أم الحسن بنت القاضي الطنجالي.فمَنْ هي؟
هي أم الحسن بنت العالم والقاضي أحمد بن عبد الله بن عبد المنعم أبي جعفر الطنجالي. عاشت في القرن الثامن الهجري لعائلة مشهورة وعريقة في مجال العلوم والمعارف والاشتهار بالجلسات العلمية في الميادين العلمية والأدبية المختلفة.
يُعَدُ والدها من أحد شيوخ لسان الدين بن الخطيب المعروف الذي جاء إلى الأندلس قادما من المغرب العربي، فكان ملما بصناعة الطب ومحبا ومعتنيا بها، وولي القضاء في مدينة لوشة الاندلسية. تلقت أم الحسن عن والدها حظا وافرا من التعليم في شتى العلوم، وعكف منذ نعومة أظفارها على تأديبها، وتعلمت القراءات القرآنية، ونظم الشعر، وتعلمت بعض مسائل الطب. وترعرعت في أحضان الكتب العديدة المختلفة والحلقات العلمية المتنوعة، فأجادت وأتقنت قراءة القرآن الكريم بقواعده كلها، كان صوتها رخيماً فتقرأ القرآن الكريم بصوت حسن وتجوده تجويداً رائعاً. وشاركت أباها البحث في قضايا الطب.
لم تكُ أم الحسن بارعة في الطب وحده فحسب بل برزت في الشعر أيضا، وصفها ابن الخطيب بأنها كانت نابغة ومتميزة ونبيلة حسيبة تركت فراغا بعد وفاتها نظرا لمكانتها الكبيرة لدى مَنْ عاصرها. لم يذكر المؤرخون معلومات دقيقة عن تاريخ ولادتها أو وفاتها، ولا نعرف سوى أنها عاشت في خلال القرن الثامن الهجري، أي أنها ولدت وعاشت قبيل سنة 750هـ وهي سنة وفاة والدها. رحمها الله جلَّ جلاله برحمته الواسعة وأيدها بما عملت له ورضاه، وجعلها إسوة حسنة لبناتنا وأخواتنا من جنسنا البشري في مغارب الأرض ومشارقها وفي أرجائها كلها

ا.م. محمود حسين
قسم الفقريات

Comments are disabled.