﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾
ان المياه هي العنصر الحيوي لحياة الإنسان ونشوء المجتمعات الإنسانية في الحضارات البشرية. فمنذ العصور القديمة، استقر الناس على ضفاف الأنهار والبحيرات والينابيع للاستفادة من المياه في الزراعة والشرب والنظافة والتجارة والترفيه. كما ابتكر الناس طرقاً مختلفة لنقل وتخزين وتنقية المياه لتلبية احتياجاتهم المتزايدة. حيث ان المياه كانت ولازالت عاملاً مهماً في تشكيل اسس الحضارات القديمة في مختلف أنحاء العالم. فمثلاً، نجد أن الحضارة الفرعونية في مصر نشأت على ضفاف نهر النيل، الذي كان يوفر المياه اللازمة للزراعة والمواصلات والتجارة. كما كان النيل مصدراً للإلهام الديني والفني والعلمي للمصريين القدماء. وفي بلاد ما بين النهرين، نشأت حضارات متعددة مثل السومرية والبابلية والآشورية على ضفاف نهري دجلة والفرات، اللذين كانا يسمحان ببناء قنوات ري وسدود وخزانات مائية لزيادة الإنتاج الزراعي والتحكم في الفيضانات. كما كانت هذه الحضارات متقدمة في مجالات الكتابة والحساب والفلك والقانون والفن والعمارة. وفي الهند، نشأت حضارة الوادي الهندي على ضفاف نهري السند والسرسوتي، اللذين كانا يوفران المياه للزراعة والصناعة والتجارة. كما كانت هذه الحضارة مشهورة ببناء مدن مخططة ونظم صرف صحي وحمامات عامة. وفي الصين، نشأت حضارة الوادي الأصفر على ضفاف نهر هوانغ هي، الذي كان يسمى أيضاً نهر الأسى لأنه كان يسبب فيضانات مدمرة. ومع ذلك، كان هذا النهر يوفر التربة الخصبة والمياه الغنية بالمعادن للزراعة والصناعة والتجارة. كما كانت هذه الحضارة مبدعة في مجالات الكتابة والفن والعمارة والطب والفلسفة.
حيث يشكل الماء المساحة الأكبر من الكرة الأرضية تقدر بنسبة 71% من مساحتها، وتتشكل بالبحيرات، والبحار، والمحيطات، والأنهار، وللماء العديد من الفوائد التي يقدمها للطبيعة، ولجسم الإنسان. ان حسب احصائيات الصندوق العالمي للحياة البرية فان 3 % فقط من كمية المياه الموجودة في العالم هي مياه صالحة للشرب وبالتالي فان 1.1 ميار شخص عالميا يعانون من صعوبة الحصول على مياه عذبة للشرب. يعاني ما بين مليارين وثلاثة مليارات شخص في جميع أنحاء العالم من نقص المياه العذبة. وسيزداد هذا النقص سوءا في العقود المقبلة، وخاصة في المدن للنمو السكاني الحاصل وانتشار الصناعات والمصانع تصاعد في كميات المياه المستهلكة سنويا من قبل الانسان، فان لم يتم تعزيز التعاون الدولي في هذا المجال فان العقود القادمة ستشهد نقصا حادا بالمياه. لذلك فان تقريبا كل تدخل متعلق بالمياه ينطوي على نوع من التعاون حيث تتطلب زراعة المحاصيل أنظمة ري مشتركة بين المزارعين. اذ لا يمكن توفير المياه المأمونة والميسورة التكلفة للمدن والمناطق الريفية إلا من خلال الإدارة المجتمعية لأنظمة إمدادات المياه والصرف الصحي لذلك هذا التعاون بين هذه المجتمعات الحضرية والريفية ضروري للحفاظ على الأمن الغذائي ودعم دخل المزارعين. ان التعقيدات في إدارة الأنهار وخزانات المياه الجوفية العابرة للحدود الدولية زاد الأمور تعقيدا بالنسبة للمزارعين الذين تعتمد زراعتهم على المياه الجوفية خاصة في المناطق التي تقل فيها المسطحات المائية او قلة في سقوط الامطار، ان التغيرات المناخية واتساع رقعة الأراضي الجافة نتيجة قلة سقوط الامطار وانخفاض مناسيب المياه أدى الى تصاعد في ازمة المياه العذبة اذ تقدر الاضرار البالغة من الجفاف وسوء المناخ وأيضا الى سوء إدارة الأراضي الى 38.4 ميار دولار سنويا. اما التعاون بين الدول في هذه المواضيع فانه يعود بالكثير من الفوائد التي تتجاوز موضوع الامن المائي ومنها فتح قنوات دبلوماسية إضافية مفيدة للبلدان. ان هذا التعاون في تخطيط شبكات المياه وتنفيذها أدى الى إيجاد حلول تلائم احتياجات المجتمعات الفقيرة وإدارة مواردها بشكل أفضل.
ان المقررات الاخيرة لليونسكو ولجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية عن تنمية المياه في العالم حذر فيها الى ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة وحلول جذرية لمعالجة النقص الحاصل في موارد المياه العذبة. فبحسب التقريرالعالمي، لا يحصل مليارا شخص (26٪ من السكان) على مياه شرب مأمونة، ويفتقر 3.6 مليار شخص (46٪) إلى خدمات الصرف الصحي المدارة بأمان، وفقا للتقرير.
م.م.علي كامل وناس
قسم النبات والبيئة