محنة الطيور المائية في العراق

 

لقد حبا الله سبحانه وتعالى العراق بتنوع بيئي فريد وطبيعة قل نظيرها بين البلدان، فهو من ناحية ذو طبيعة طوبوغرافية تختلف من منطقة إلى أخرى ففي الشمال نجد السلاسل الجبلية التي قد يصل ارتفاعها إلى 3700 م فوق مستوى سطح البحر ويغطي الثلج بعضا من قممها على مدار السنة إلى المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية الشاسعة في الغرب وجنوب الغرب إلى منطقة الجزيرة ذات الطبيعة المتموجة والسهل الرسوبي المنبسط في وسط وجنوب العراق ثم جنة عدن التاريخية في الاهوار بأسماكها وطيورها المدهشة والمسطحات المائية الواسعة ثم مياه الخليج في أقصى الجنوب حيث تتعايش اسماك أبو شلمبو مع ظاهرة المد والجزر بتناغم عجيب. ومن ناحية أخرى يقع العراق في نقطة التقاء ثلاثة من مناطق التوزيع الجغرافي الرئيسية للحيوانات وهي المنطقة القطبية القديمة والمنطقة الإثيوبية والمنطقة الهندية.  كما إن اراضي العراق تحتضن حوضي النهرين العظيمين دجلة والفرات. يضاف لهذا كله هو أن العراق يقع على بعض أهم خطوط الهجرة الرئيسية للطيور في العالم ويشكل نصف المسافة البرية المحصورة بين الخليج والبحر الأبيض المتوسط. لقد ساعدت هذه العوامل مجتمعة على استمرارية وجود تنوع إحيائي نباتي وحيواني مذهل ومن بين هذه المجاميع الإحيائية صنف الطيور حيث يتوفر العراق على حوالي 400 نوع منها منها المهاجرة التي تأتي من مناطق بعيدة طلبا للغذاء والدفء ومنها المقيم الذي يستقر في بيئته طيلة العام. وتشكل مجموعة الطيور المائية التي تعتمد بصورة مباشرة في معيشتها على الماء حيث تكيفت لتلاءم المعيشة المائية حوالي ثلث أنواع الطيور العراقية. وتشكل الطيور المهاجرة الغالبية العظمى الطيور المائية حيث يفد معظمها شتاءا سالكا خط شمال جنوب الرابط بين سيبيريا وأوربا غالى الجزيرة العربية وأفريقيا حيث تأتي الطيور مستفيدة من الحرارة المعتدلة وتوفر كميات وفيرة من الغذاء لتمضية الشتاء ثم العودة مع إطلالة الربيع إلى مواطنها الشمالية الباردة. وقد ظلت الطيور المائية في العراق تنعم بكل ميزات العراق الطبيعية غالى وقت قريب حيث إنها تواجه في الوقت الحاضر العديد من الأخطار المحدقة التي يمكن أن نوجزها فيما يلي:

  1. 1. الصيد الجشع ويشمل البط والإوز والتم والنحام والغر ودجاج الماء والبرهان. ويستخدم الصيادون لهذا الغرض الشباك التي يحصلون بواسطتها على الآلاف من الطيور الحية التي تباع بأسعار بخسة في الأسواق في المدن الكبيرة في مختلف أنحاء العراق وبخاصة المدن والقرى المجاورة للاهوار لتستخدم كغذاء يحرص السكان المحليون على الحصول عليه لكونه لذيذ الطعم إضافة إلى ارتباطه بالذاكرة الشعبية المتوارثة لهذه المجتمعات. ومن الأماكن المفضلة لهذا النوع من الصيد الاهوار الجنوبية واهوار الشويجة والدلمج والمالح في الكوت والسنية في الديوانية ومديفر في ديالى. كما ان قيام بعض الصيادين باستخدام السموم والمبيدات في الصيد يضيف عامل الخطورة عبى الصحة البشرية اضافة الى تلويثه للبيئة الطبيعية للطيور وبقية الاحياء.


ومما تجدر الإشارة إليه إن العديد من الأنواع المعروضة للبيع في الأسواق تعود إلى أنواع مهددة بخطر الانقراض وتحرم الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية
CITES التجارة فيها وتداولها إلا لإغراض علمية محدودة من اجل المحافظة عليها وتشجيع تكاثرها في بيئاتها الأصلية. وفي الوقت الحاضر لا يوجد أي رادع قانوني أو حكومي لفرض الحماية مما يستوجب التدخل السريع من قبل الجهات المسئولة لفرض الحماية بالقوة على صيد بعض الأنواع وتنظيم الصيد للأنواع الأخرى. إن الموجود حاليا هو قيام بعض الجهات الحكومية بتأجير المساحات المائية للأشخاص مقابل مبالغ مالية بسيطة ليفعلوا ما يحلو لهم من صيد الطيور والأسماك دون وجود رقيب أو حسيب.

  1. 2. انحسار الموائل الطبيعية وأماكن التفريخ: لقد شهدت البيئات الطبيعية العراقية في العقود الأخيرة تغيرات كبرى نتيجة الحروب وما نجم عنها من إهمال وتلوث شديدين في الطبيعة وأعقب ذلك القيام بتجفيف الاهوار وخسارة هذه البيئة المثالية لتفريخ بعض الأنواع النادرة مثل طير الوردة والحذف المعرق وهازجة البصرة وهي طيور ضعيفة المجاميع السكانية أصلا ويحتوي العراق على النسبة العظمى من مجاميع السكانية لهذه الأنواع على المستوى العالمي وبذلك فان خسارة هذه الطيور لا تخص العراق لوحده بل تتعداها إلى العالم اجمع.
  2. 3. نقص الموارد المائية وتردي نوعيتها: إن النقص الشديد في كميات المياه الواردة لنهري دجلة والفرات حيث تقع منابع هذين النهرين خارج الحدود الدولية للعراق، وكذلك تردي نوعية المياه القليلة الواردة وارتفاع نسبة الملوحة فيها واحتوائها على كميات اكبر من الملوثات أديا إلى تغير شديد في البيئة المائية في العراق التي تستند أساسا على المياه العذبة الأمر الذي جعل من هذه المياه غير صالحة للاستهلاك البشري أو الحيواني وبالتالي يؤثر بشدة على الأعداد السكانية للأنواع الضعيفة والمهددة .
  3. 4. النقص في التشريعات والوعي الجماهيري: إن النقص في هذين العاملين جعل من التحذيرات الخجولة التي تطلقها بين الحين والآخر بعض الجمعيات والمنظمات المهتمة بالموضوع تذهب أدراج الرياح فلابد من تدخل الدولة بمفاصلها التشريعية والتنفيذية لفرض الحماية على الأنواع والبيئات الضعيفة وتنظيم عملية الصيد مما يعود بالنفع على الصيادين وأرزاقهم وحماية التنوع الإحيائي من الأخطار المتزايدة التي تحدق به.

Comments are disabled.