يقول الشاعر حافظ إبراهيم في قصيدة العلم والأخلاق

الأُم مدرسة إِذا أَعدَدتَها             أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ

        سمع أغلبيةُ النّاس هذا البيت الشعري الذي نُقِش في عقولنا منذ الصغر. فقد شبّه حافظ إبراهيم الأمَ بالمدرسة التي إذا أُعدّت إعداداً جيداً من كافة النواحي التربوية والتعليمية كان نِتاجُها شعبٌ طيب الأعراق, هذا التشبيه بليغ للكاتب، اذ ساوى فيه بين الأم والمدرسة ولم يستخدم أداة تشبيه كما أنه لم يحدد ماهي أوجه التشبيه دلالة على شمولية المعنى والبلاغة في التشبيه وحتى يبين بدقة قيمة الأم ويوضح أهمية دورها في حياة الأبناء والمجتمع.

     أن هناك الكثير من التساؤلات و التأملات كلما أُلقيَّ هذا البيت على مسامعنا. ماذا لو كانت هذه الأم غير معدة؟ ما نِتاجُها؟ ماذا تحتاج المرأة لتصبح أماً ناجحة؟

     فالأم هي المدرسة الأولى في صنع مستقبل الطفل وهي التي تبني شخصيته و اتجاهاته و عاداته وأخلاقه, وتحلّق به نحو عالم الخير والكمال ، وجعله متسماً بالصلاح و الإتزان شريطة أن تكون مهذبة صالحة وإنشاء الجيل الصالح مقرون بها حتماً

     توجد في مجتمعاتنا, للأسف, ثقافة الاستهتار والتقليل من شأن بعض التخصصات الجامعية إلى أبعد الحدود، مثال على ذلك, تخصص “تربية الطفل” كمثال لنطرحه في سياق الموضوع. فهذا التخصص الجامعي يجب أن يكون منهجاً يُدرّس لجميع المقبلات على الزواج، لمساعدتهنّ على فَهم سيكولوجية الطفل، ولتنبيههنّ إلى أهم العوامل التي تؤثر في سلوك وشخصية الطفل في المستقبل. فالطفل كالعجينة يتأثر بسهولة، أضعف الضربات تؤثر عليه وتُغير شَكله، والأم هي الخباز الذي يؤثر على العجينة ويغير من شكلها ويصنعها كما شاء، قد تظهر جميلة أو قبيحة بعد عملية الخَبز اعتماداً على مهارة الخباز ومعرفته

و تأسيساً على ذلك, إن كانت المرأة غير مُعدَّة ومجهزة لمنصب الأمومة، فلن يكون نِتاجها محموداً. فالمنسوب العالي من العاطفة والحب في قلب الأنثى غير كافي, وحده, لبناء سلوك قويم وشخصية قوية للطفل ما لم يُستبدل الجهل بالمعرفة العامة الأساسية التي يحتاجها كل فرد.

    كذلك, يجب أن تدرك الأم أثر كلّ عَمل تفعله على سلوك طفلها في المستقبل، متجنبةً إظهار الغضب والسخط والقسوة والترهيب والتهديد ومبتعدةً أيضاً عن الصمت, أو أحياناً الفرح, عند قيام الطفل بتصرف خاطئ مثل, الشتم وضرب الآخرين، كذلك , يجب أن تكون في نقطة النصف، بحيث يُحذّر ويعاقب الطفل على سلوكه الخاطئ حتى لا يُكرره مرة أخرى مبتعدةً عن أسلوب التهديد الذي يُهرّع الطفل ويملئ عقله بالمخاوف، وأيضاً عن القسوة الزائدة التي تجعل من الطفل عدوانياً

    في وقتنا الحالي و ما نشهده من التقدم التكنولوجي, فيبلغالطفل وهو معاصراً الكثير من الاختراعات التقنية من أجهزة المحمول الذكية والأجهزة اللوحية وألعاب الفيديو والتلفاز.

    اذ تجهل بعض الأمهات الآثار السلبية الفيزيائية والنفسية لبعض هذه ألعاب والتقنيات على أطفال، من أضرار على الجسم نتيجة قلة الحركة والتخمة والتعرض لبعض الاشعاعات التي تؤثر على العيون وعلى الدماغ. وللأضرار النفسية النصيب الأكبر، فالكثير من الألعاب تكون خيالية الشخوص والأحداث مثل مصاصي الدماء و الزومبي .الخ، وبذلك تترسخ في عقولهم هذه الصور والأشخاص مسببة الخوف والهرع للكثير منهم, أما بالنسبة للأنترنت فإن خلا, جدلاً, من مظاهر الابتذال والرذيلة فإن الاعلانات هناك لن تخلوا أبداً.

    إذا التحمت عاطفة الأم وحنانها بالعلم والمعرفة والتربية الاسلامية، كانت ثمارها محمودة الصفات والأخلاق، أما اذا كان الجهل رفيق العاطفة، قد يقضي الى ما لا يحمد عقباه . 

مسك الختام، الأم هي أقدس العواصم، فيها تتجلى الإنسانية وفيها يُخلق الحب، هي نصف المجتمع لا بكل أكثر من نصفه، هي عنوان العطف وشجرة العطاء، برُقيها ترتقي الشعوب وبفكرها نخوص في بحور العلم والمعرفة.

م. م. زينب غازي

م . م  فاطمة حسين بريج

Comments are disabled.